تداعيات العجز المالي.. تسريح موظفات برنامج الأغذية يهدد أطفال وأمهات أفغانستان
تداعيات العجز المالي.. تسريح موظفات برنامج الأغذية يهدد أطفال وأمهات أفغانستان
في ولاية كابيسا شمال شرقي أفغانستان، تلقى القطاع الإنساني ضربة قاسية مع إعلان فصل 41 موظفة يعملن في قطاع الصحة والتغذية لدى برنامج الأغذية العالمي، وجاء القرار في وقت بالغ الحساسية، تعاني فيه البلاد من معدلات مرتفعة من سوء التغذية ونقص حاد في التمويل يهدد حياة ملايين الأطفال والأمهات، وأثارت هذه الخطوة موجة قلق واسعة في الأوساط المحلية والإنسانية، وسط مخاوف من أن يؤدي تقليص الكوادر النسائية إلى تراجع خطير في الخدمات الأساسية المقدمة للفئات الأكثر ضعفاً.
عجز مالي يفرض تقليصاً قاسياً
مصادر مطلعة أفادت الاثنين بأن برنامج الأغذية العالمي اضطر إلى تنفيذ عمليات الفصل نتيجة عجز حاد في الميزانية، ما أجبره على تقليص عدد الموظفات العاملات في البرامج الصحية والتغذوية بولاية كابيسا، ويعكس هذا القرار حجم الضغوط المالية التي تواجهها الوكالات الإنسانية في أفغانستان، في ظل تراجع التمويل الدولي وتزايد الاحتياجات الإنسانية بوتيرة غير مسبوقة، وفق وكالة الأنباء الألمانية.
يأتي هذا التقليص في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاعاً مقلقاً في حالات الجوع و سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، وأعربت الموظفات المفصولات عن قلقهن الشديد، معتبرات أن القرار اتخذ في لحظة حرجة تحتاج فيها المجتمعات المحلية إلى تعزيز الخدمات لا تقليصها، فالتدهور الاقتصادي المستمر، إلى جانب القيود الاجتماعية والإنسانية، جعل الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية تحدياً يومياً لآلاف الأسر.
خدمات مهددة في المجتمعات المحلية
بحسب مصادر محلية، أدى فصل الموظفات إلى ترك مناطق واسعة عرضة للخطر، بعدما أصبحت خدمات التغذية والرعاية الصحية للأمهات والأطفال محدودة أو غير متوفرة في بعض المناطق، ويعتمد كثير من السكان، خصوصاً في المناطق الريفية، بشكل شبه كامل على البرامج التي تنفذها المنظمات الدولية لتأمين الحد الأدنى من الرعاية الغذائية، ومع غياب الكوادر المؤهلة، تتفاقم المخاوف من تدهور الأوضاع الصحية وارتفاع معدلات الوفيات المرتبطة بسوء التغذية.
يشكل فصل الموظفات تحدياً مزدوجاً، فهو لا يهدد فقط استمرارية الخدمات الإنسانية، بل يفاقم أيضاً أزمة عمل النساء في أفغانستان، فالنساء العاملات في القطاع الصحي والتغذوي يلعبن دوراً محورياً في الوصول إلى الأمهات والأطفال، خاصة في مجتمع تفرض فيه القيود الثقافية والاجتماعية تحديات إضافية أمام مشاركة النساء في الحياة العامة. تقليص وجودهن في الميدان يعني إضعاف جسور الثقة بين المجتمعات المحلية والجهات الإنسانية.
بطالة وفقر
تأتي هذه التطورات في سياق اقتصادي واجتماعي بالغ الصعوبة، ووفقاً لتقارير حديثة للأمم المتحدة، لا يزال نحو 75 في المئة من سكان أفغانستان بلا عمل، ما يترك ملايين الأشخاص عاجزين عن تأمين سبل العيش الأساسية، هذا الواقع ينعكس بشكل مباشر على الأمن الغذائي، حيث تجد الأسر نفسها مضطرة لتقليص الوجبات أو اللجوء إلى خيارات غذائية غير كافية، ما يزيد من مخاطر سوء التغذية، خاصة لدى الأطفال.
تشير التقديرات الأممية إلى أن قرابة 90 في المئة من الأسر في أفغانستان تعيش تحت خط الفقر، هذه النسبة الصادمة تبرز حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها البلاد، وتوضح مدى الاعتماد على المساعدات الدولية لتفادي انهيار شامل في مستويات المعيشة، ومع تراجع التمويل، يصبح مستقبل هذه الأسر أكثر غموضاً، وتزداد احتمالات تفشي الجوع والأمراض المرتبطة به.
تحذيرات أممية متكررة
على مدار الأشهر الماضية، أطلقت الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة تحذيرات متكررة من نقص التمويل لعملياتها في أفغانستان، هذه التحذيرات لم تقتصر على برنامج الأغذية العالمي، بل شملت أيضاً منظمات معنية بالصحة والتعليم وحماية الطفولة، ورغم هذه النداءات، لا يزال الدعم الدولي أقل بكثير من حجم الاحتياجات الفعلية، ما يضع المنظمات أمام خيارات صعبة بين تقليص البرامج أو إيقافها بالكامل.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة أفادت بأن 3.7 مليون طفل في أفغانستان يعانون من سوء تغذية حاد، وهو رقم يعكس حجم المأساة التي تواجه الجيل الأصغر، وتسعى المنظمة إلى علاج 1.3 مليون طفل يعانون من سوء تغذية معتدل إلى حاد، إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة بسبب نقص الموارد المالية والبشرية، ومع كل تقليص جديد في البرامج، يبتعد الأمل في الوصول إلى هؤلاء الأطفال خطوة إضافية.
أثر مباشر في الأمهات
لا يقتصر تأثير تقليص خدمات التغذية على الأطفال وحدهم، بل يمتد إلى الأمهات، خاصة الحوامل والمرضعات، اللواتي يحتجن إلى رعاية غذائية خاصة لضمان صحتهن وصحة أطفالهن، غياب هذه الخدمات يزيد من مخاطر المضاعفات الصحية ويؤثر في نمو الأطفال في مراحلهم الأولى، ما قد يترك آثاراً طويلة الأمد على المجتمع بأسره.
تسريح الموظفات في كابيسا يعكس حلقة مفرغة تعيشها أفغانستان، حيث يؤدي نقص التمويل إلى تقليص الخدمات، ما يفاقم الأزمات الإنسانية، ويزيد بدوره من حجم الاحتياجات، وفي هذا السياق، يحذر خبراء من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى انهيار تدريجي لشبكات الأمان الاجتماعي، ويجعل التعافي أكثر صعوبة في المستقبل.
دعوات لإعادة النظر
في ظل هذه التطورات، تتصاعد الدعوات لإعادة النظر في أولويات التمويل الدولي لأفغانستان، والتركيز على القطاعات الحيوية مثل التغذية والصحة، ويؤكد عاملون في المجال الإنساني أن الاستثمار في هذه القطاعات لا ينقذ الأرواح فحسب، بل يسهم أيضاً في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.
تعاني أفغانستان منذ سنوات من أزمات متداخلة تشمل الصراع السياسي والانهيار الاقتصادي وتراجع الخدمات الأساسية، ومع عودة القيود على عمل النساء وتقلص فرص العمل، أصبح الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية تحدياً يومياً لملايين الأسر، وتعد برامج التغذية التي تنفذها الوكالات الأممية من بين آخر خطوط الدفاع أمام تفشي الجوع وسوء التغذية، خاصة بين الأطفال والأمهات، إلا أن هذه البرامج تعتمد بشكل شبه كامل على التمويل الدولي الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، وفي ظل غياب حلول مستدامة وزيادة العجز المالي، يبقى مستقبل الأمن الغذائي في أفغانستان معلقاً على استجابة المجتمع الدولي وقدرته على تدارك أزمة تتسع آثارها يوماً بعد يوم.










